يقول باحثون كنديون إن جني مبالغ طائلة من الأموال لا يجلب السعادة لإنسان،
بل مايعزز شعوره بالسعادة هو إنفاق المال على الآخرين.
ويقول فريق الباحثين في جامعة بريتيش كولومبيا
إن إنفاق أي مبلغ على الآخرين ولو كان خمسة
دولارات فقط يبعث السعادة في النفس.
ويضيف في البحث الذي نشر في مجلة "العلوم أو سينس"
إن الموظفين الذين ينفقون جزءا من الحوافز
التي يحصلون عليها كانوا أسعد من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك .
وتقول البروفيسور إليزابيث دان /
"بغض النظر عن حجم الدخل الذي يحصل عليه الفرد
فإن أولئك الذين أنفقوا أموالا على آخرين
كانوا أكثر سعادة من أولئك الذين أنفقوا أكثر على أنفسهم .
ولماذا نبحر في دراساتهم المتأخرة ..
وقد سبقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أنظروا ماذا قال :
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أحب الناس إلى الله أنفعهم ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل
سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ،
أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب
إليّ من أن اعتكف في المسجد شهرا ،
ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظا ،
ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ،
ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له ،
أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام ،
وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل )
رواه الطبراني في الكبير ، وابن أبي الدنيا وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة .
مـن بـسـتـان الـنـبـوة الـعـطـرة /
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ شَيْءٌ
إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُوسِرًا وَكَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ
أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُعْسِرِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ".
أخرجه أحمد (4/120 ، رقم 17124) ، ومسلم (3/1195 ، رقم 1561) ، والبخاري فى الأدب المفرد (1/110 ، رقم 293) ، والترمذي (3/599 ، رقم 1307) وقال : حسن صحيح. والطبراني (17/201 ، رقم 537) ، والبيهقي فى شعب الإيمان (7/533 ، رقم 11242) ، والحاكم (2/34 ، رقم 2226) وقال : صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أيضًا : ابن حبان (11/427 ، رقم 5047).
فضل الإحسان:
ولمزيد عناية الإسلام بالإحسان وعظيم منزلته ؛
نوه سبحانه بفضله, و أخبر في كتابه العزيز أنه يحب المحسنين,
وأنه معهم, وكفى بذلك فضلًا وشرفًا,
فقال سبحانه:{...وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[195]}[سورة البقرة].
وقال:{ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[148]}
[سورة آل عمران].
وقال:{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[128]}
[سورة النحل].
وقال: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[69]}
[سورة العنكبوت].
جزاء المحسنين:
ومن رحمة الله وفضله أن جعل الجزاء من جنس العمل,
ومن ذلك أنه جعل ثواب الإحسان إحسانًا كما قال:
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ[60]}
[سورة الرحمن].
فمن أحسن عمله؛ أحسن الله جزاءه,
وقد أوضح الله سبحانه في كتابه العزيز جزاء المحسنين,
وأنه أعظم جزاء و أكمله, فقال تعالى:
{ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ...[26]}
[سورة يونس].
وهذه الآية فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
بما رواه مسلم عن صهيب رضي الله عنه بأن الحسنى:
الجنة, والزيادة: النظر إلى وجه الله عز وجل.
ولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك العمل الذي هو الإحسان من المناسبة؛
فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه جزاهم على ذلك
العمل النظر إليه عيانًا في الآخرة,
وعلى العكس من ذلك الكفار الذين طبعوا على قلوبهم فلم تكن
محلًا لخشيته و مراقبته في الدنيا,
فعاقبهم الله على ذلك بأن حجبهم عن رؤيته في الآخرة
كما قال تعالى: { كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ[15]}
[سورة المطففين].
وكما أنّ جزاء الذين أحسنوا الحسنى؛
فإن عاقبة الذين أساءوا السوأى
كما قال تعالى:
{ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ[10]}
[سورة الروم].
طرق الإحسان:
1- الإحسان بالنفع البدني:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:
[كُلُّ سُلَامَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ
كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ
وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ
وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ
وَيُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ].
2- الإحسان بالمال:
ومن وسّع الله عليه الرزق, وآتاه المال؛
فإنّ عليه أن يشكر الله على ذلك بصرفه في الطرق التي شرعها,
فيقضي الحاجة, ويواسي المنكوب, ويفك الأسير,
ويقري الضيف, ويطعم الجائع؛
تحقيقًا لقوله سبحانه:{...وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ...[77]}
[سورة القصص].
5- الإحسان بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر:
ولم تكن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير أمة أخرجت للناس
إلا بسلوكها تلك الطريق,
كما أنّ بني إسرائيل لم يلعن من لعن منهم على لسان أنبيائهم
إلا لتخليهم عن ذلك الواجب من عدم اكتراثهم بارتكاب المنكرات,
قال الله تعالى في حق هذه الأمة:
{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ...[110]}
[سورة آل عمران].
ولا يحصل المطلوب، ويتم النفع إلا إذا كان الآمر بالمعروف،
والناهي عن المنكر مؤتمرًا بما يأمر به,
ومنتهيًا عما ينهى عنه, وإلا كان أمره ونهيه وبالاً عليه
لقول الله تعالى: { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[3]}
[سورة الصف].
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إنكار المنكر على ثلاث مراتب
إن لم تحصل المرتبتان الأوليتان، فلا أقل من الثالثة التي هي أضعف الإيمان,
كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
حيث قال صلى الله عليه وسلم:
[ يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ].
من:' الإحسان: حقيقته - فضله – طرقه' للشيخ/ عبد المحسن العباد
سعادتك أخي من سعادة الآخرين
فلا تبخل عليهم ولا تحرم نفسك من السعادة