الشَّاذُ
الوسيط في علوم ومصطلح الحديث - (الحديث الشَّاذُ) الشاذ في اللغة من معانيه المنفرد، ففي المصباح "شذ يُشِذ ويَشُذ شُذوذا انفرد عن غيره", وفي القاموس: "شذ يَشُذ ويشِذ شَذًّا وشذوذا ندر عن الجمهور".
وفي اصطلاح المحدثين له تعريفات أشهرها:
"الأول": عرفه الإمام الشافعي, فقال: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس أي الحافظ الثقات، ووافق الشافعي جماعة من العلماء.
و"الثاني" قال الحافظ أبو يعلى الخليلي في كتابه "الإرشاد": الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره فما كان من غير ثقة, فمتروك لا يقبل, وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به فجعل الشاذ مطلق المتفرد من غير اعتبار المخالفة.
"الثالث": وقال الحاكم أبو عبد الله: هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع لذلك وينقدح في نفس الناقد أنه غلط ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك.
قال: ويغاير المعلل بأن ذلك وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك، فتعريف الحاكم أخص من تعريف الخليلي(1).
"نقد هذين التعريفين": وقد انتقد ابن الصلاح, وتابعه النووي هذين التعريفين بأنهما منتقضان بالأحاديث التي انفرد بروايتها العدل الضابط الحافظ, وذلك كحديث: "إنما الأعمال بالنيات ... " , فإنه تفرد به عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم، وتفرد به عن عمر علقمة بن وقاص، وتفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد به عن محمد يحيى بن سعيد الأنصاري, وحديث النهي عن بيع الولاء وهبته فقد تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وحديث مالك عن الزهري عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة, وعلى رأسه المغفر, تفرد به مالك عن الزهري, فكل هذه وأمثالها مخرجة في الصحيحين أو أحدهما مع أنها ليس لها إلا إسناد واحد، وقد قال الإمام مسلم: للزهري نحو تسعين حرفا يرويه ولا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد والمراد بالحرف الحديث.
"تعريف ابن الصلاح": قال ابن الصلاح فهذا الذي ذكرناه لك, وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي قالاه وحينئذ فالصحيح التفصيل: فإن كان الثقة بتفرده مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك كان ما انفرد به شاذا مردودا، وإن لم يخالف الراوي بتفرده غيره وإنما روى أمرًا لم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المتفرد, فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وإن لم يوثق بحفظه, ولكن لم يبعد عن درجة الضابط كان ما انفرد به حسنا، وإن بعد من ذلك كان شاذا منكرا
مردودا فتحصل من هذا أن الشاذ المردود قسمان(2):
1- الحديث الفرد الذي خالف فيه رواية من هو أولى منه بالحفظ والضبط.
2- الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد من النكارة والضعف.
"تعريف الحافظ ابن حجر": قال: الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات كفقه الراوي وعلو سنده قال الحافظ: وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح، والمراد بالمقبول أعم من أن يكون ثقة أو صدوقا.
"مثاله في السند": ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس "أن رجلا توفي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يدع وارثا إلا مولى هو أعتقه فقال -صلى الله عليه وسلم: "هل له أحد؟ " قالوا: لا، إلا غلام كان أعتقه فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ميراثه له", وتابع ابن عيينة على وصله إلى ابن عباس ابن جريج وغيره، وخالفهم حماد بن زياد فرواه مرسلا عن عمرو بن دينار عن عوسجة ولم يذكر ابن عباس.
قال أبو حاتم: المحفوظ حديث ابن عيينة فحماد بن زيد من أهل العدالة والضبط ومع ذلك رجح أبو حاتم رواية من هم أكثر عددا منه فرواية حماد شاذة.
"مثاله في المتن": ما رواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا "إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع عن يمينه", قال البيهقي: خالف عبد الواحد العدد الكثير في هذا فإن الناس إنما رووه عن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لا من قوله، وانفرد عبد الواحد من بين الثقات عن الأعمش بهذا اللفظ.
المحفوظ
ويقابل الشاذ المحفوظ, وهو ما رواه الراجح من الرواة مخالفا للمرجوح, وذلك مثل رواية سفيان بن عيينة السابقة, فهي المحفوظة.
__________
(1) المصدر السابق ص81.
(2) قد اعترض على ما ذكره ابن الصلاح من حديث: "إنما الأعمال بالنيات" , وتالييه بأنه رواه من الصحابة سبعة عشر صحابيا, وقيل: أكثر من ذلك, وأنه رواه عن عمر غير علقمة، وعن علقمة غير محمد، وعن محمد غير يحيى، وبأن حديث النهي عن بيع الولاء وهبته رواه غير ابن دينار عن ابن عمر، وبأن حديث المغفر لم ينفرد به مالك بل تابعه عن الزهري ابن أخي الزهري وآخرون، وأجيب عن الاعتراض على الحديث الأول بأنه لم يصح بهذا اللفظ إلا عن عمر, وأن معظم ما روى عن الصحابة إنما هو في مطلق الكذب لا في هذا اللفظ بعينه, وأنه لم يصح عن عمر إلا من الطريق الذي ذكره ابن الصلاح, وكذلك الحديث الثاني لم يصح إلا من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وأما الحديث الثالث, فقد سلم للمعترض, فقد تابع مالكا على روايته ابن أخي الزهري وآخرون. "التدريب ص82-83".